غرائب الأخطبوط لا تتوقف.. اكتشاف طريقة مذهلة يتكيف فيها مع بيئته

An incirrate octopod is shown at a depth of 4,290 meters taken by a remotely operated underwater vehicle Deep Discoverer near Necker Island, or Mokumanamana, on the northwestern end of the Hawaiian Archipelago in this image courtesy of NOAA Office of Ocean Exploration and Research, Hohonu Moana 2016, released on March 5, 2016. REUTERS/NOAA/Handout FOR EDITORIAL USE ONLY. NOT FOR SALE FOR MARKETING OR ADVERTISING CAMPAIGNS. THIS IMAGE HAS BEEN SUPPLIED BY A THIRD P
يمتلك الأخطبوط صفات نادرة ويتمتع بالذكاء والقدرة على التأقلم في البيئات المختلفة (رويترز)

طارق قابيل

لطالما كانت الأخطبوطات محور قصص الرعب لعدة قرون، لأنها تمتلك شكلا غريبا يذهل العقول، مما يجعلها من أكثر الرخويات إثارة؛ فلدى الأخطبوط ثلاثة قلوب، ولدغات سامة، وثماني أذرع شبه مستقلة يمكن أن تتذوق بها كل ما يوجد في البيئة المحيطة بها، وهي تبخ الحبر، وذكية، وتتحكم في أصغر المساحات، وقادرة على استخدام الأدوات، وحل المسائل، وتخريب المعدات.

أعاجيب لا تنتهي
لكن أعاجيبها لا تنتهي، فقد اتضح أنها تتطور وأقاربها من الرأسقدميات (Cephalopod) بشكل مختلف عن جميع الكائنات الحية الأخرى التي تعيش فوق هذا الكوكب.

إذ اكتشف العلماء مؤخرا أن جينوماتها في غاية الغرابة أيضا، حيث تقوم بشكل روتيني بتحرير تسلسلات الحمض النووي الريبي (RNA) للتكيف مع بيئتها. هذا أمر غريب للغاية لأن هذه ليست الطريقة التي تحدث بها عمليات التكيف عادة في الحيوانات متعددة الخلايا؛ فعندما يتغير كائن حي، فإنه يبدأ عادة بطفرة جينية، ثم تتم ترجمة تلك التغييرات الجينية بواسطة الحمض النووي الريبي.

يمكنك التفكير في تعليمات الحمض النووي باعتبارها وصفة للطبخ، في حين أن الحمض النووي الريبي هو كبير الطباخين (الشيف) الذي ينظم الطبخ في مطبخ كل خلية، وينتج البروتينات الضرورية التي تحافظ على بقاء الكائن كله.

الأخطبوط من المخلوقات الفريدة حيث يملك ثماني أذرع شبه مستقلة يمكن أن يتذوق بها كل ما يوجد في البيئة المحيطة (رويترز)
الأخطبوط من المخلوقات الفريدة حيث يملك ثماني أذرع شبه مستقلة يمكن أن يتذوق بها كل ما يوجد في البيئة المحيطة (رويترز)

لكن الحمض النووي الريبي لا ينفّذ التعليمات بطريقة عمياء، إذ يرتجل أحيانا ويغير بعض البروتينات التي يتم إنتاجها في الخلية في عملية نادرة تسمى تحرير الحمض النووي الريبي.

عندما يحدث مثل هذا التحرير، فإنه يمكن أن يغير طريقة عمل البروتينات، مما يسمح للكائن بصقل معلوماته الوراثية دون التعرض لأي طفرات جينية. وهو ما لا يحدث في معظم الكائنات الحية، ولكن على ما يبدو فإن رأسيات الأرجل لم تتخل عن هذه العملية؛ حيث اكتشف الباحثون أن الحبار الشائع قام بتحرير أكثر من 60% من الحمض النووي الريبي في جهازه العصبي. وغيرت تلك التعديلات فسيولوجيا الدماغ بشكل جوهري، بحيث تتكيف مع ظروف درجات الحرارة المختلفة في المحيط.

تنويع البروتينات
يملك الأخطبوط عددا من الجينات المُشكِّلة للدماغ، لكنه لم يعد بحاجة إلى التعديل في النسخة الأصلية والمرور بكل هذه المعوقات، بل وُجِد أن بإمكانه التعديل في النسخة الجديدة مباشرة. 

الأخطبوط يحرر الحمض النووي الريبي في جهازه العصبي بشكل يغير فسيولوجيا الدماغ بما يتيح له التكيف مع ظروف درجات الحرارة المختلفة (رويترز)
الأخطبوط يحرر الحمض النووي الريبي في جهازه العصبي بشكل يغير فسيولوجيا الدماغ بما يتيح له التكيف مع ظروف درجات الحرارة المختلفة (رويترز)

وحلل الباحثون مئات الآلاف من مواقع تسجيل الحمض النووي الريبي في هذه الحيوانات، التي تنتمي إلى فئة فرعية من رأسيات الأرجل تعرف باسم الغمديات، وهي طويئفة من رأسيات الأرجل تحتوي على مخلوقات ذات أجسام رخوة، وتملك على الأغلب عظمة داخلية أو صدفة تستخدم للطفو أو الغطس، ووجدوا أن تحرير الحمض النووي الريبي الذكي كان شائعا بشكل خاص في الجهاز العصبي فيها.

وقال الباحثون لدورية "سيل" التي نشرت النتائج البحثية، إنها "خلافا لغيرها من الأصناف، تقوم رأسيات الأرجل بتنويع بروتيناتها على نطاق واسع عن طريق تحرير الحمض النووي الريبي".

وقال الباحث المشارك جوشوا روسينثال من مختبر الأحياء البحرية في الولايات المتحدة، "يبدو أن المستويات المرتفعة لتحرير الحمض النووي الريبي ليست موجودة بشكل عام في كل الرخويات؛ إنها خصيصة للغمديات رأسيات الأرجل".

وكخطوة تالية، سيقوم الفريق بتطوير نماذج وراثية من رأسيات الأرجل كي يتمكنوا من تتبع كيف ومتى يبدأ تحرير هذا الحمض النووي الريبي.

المصدر : الجزيرة