"Palmyra" written in Arabic and in English is carved on a stone above a column at the entrance of the ancient Syrian city on 31…
احتل تنظيم داعش مدينة تدمر لمرتين بين 2015 و2017 وتسبب في دمار أغلب آثارها التاريخية.

يمكن القول إن ما حصل لمدينة تدمر الأثرية طوال ست سنوات، من 2012 وحتى 2017، هو أسوأ كابوس يمكن أن يتخيله عالم آثار في العصر الحديث. فالتخريب والنهب لم يطالا الآثار المكشوفة في العراء فقط، بل وصلا إلى تدمير القطع المحفوظة في متحف المدينة تدميراً كاملاً، ناهيك عن العبث بالمواقع الأثرية التي تركت للتنقيب المستقبلي، من دون أن يصدر حتى اللحظة تقرير رسمي يحصي الأضرار، ويحدد حجم الخسائر، ويستشرف الحلول الممكنة، رغم استعادة النظام السيطرة النهائية على المدينة منذ مارس 2017.  

والأكثر بشاعة من كل ذلك سعي النظام الحثيث، ومعه القوات الروسية، لاستثمار كارثة المدينة الأثرية إعلامياً وسياسياً، في محاولة لإظهار أن ما يجري في سوريا هو حرب ضد الإرهاب. وقد تجلى هذا الاستثمار في أوضح صوره، بحفلة أوركسترالية نظمتها القوات الروسية على مدرج المدينة الأثري بتاريخ الخامس من مايو 2016، عندما استعادت القوات السورية حينها المدينة في المرة الأولى.

وانبرى حينها مأمون عبد الكريم، مدير الآثار والمتاحف في ذلك الوقت، للتهوين من حجم الخسائر التي تعرضت لها آثار المدينة على يد داعش، مطلقاً تصريحات حول نقل موجودات المتحف إلى دمشق، قبل انسحاب قوات النظام من المدينة، ليتبين فيما بعد أن جميع آثار المتحف كانت ما تزال في تدمر ولم ينقل منها شيء.

 

الحل العسكري بين الآثار

 

وصلت المظاهرات السلمية إلى مدينة تدمر في الشهر الرابع من عام 2011، وتطورت الاحتجاجات إلى اعتصامات لا تختلف عما كان عليه الأمر مختلف المدن السورية آنذاك. ومع اتخاذ النظام قرار الحل العسكري الأمني، اعتباراً من ماي عام 2011، أُرسلت تعزيزات عسكرية وأمنية إلى المدينة للسيطرة على المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام، وقد تمركزت تلك القوات ضمن حرم المدينة الأثرية.

وبحسب تقرير لجمعية حماية الآثار السورية، وهي منظمة معنية بتوثيق الانتهاكات بحق المواقع الأثرية السورية، فإن قوات النظام تمركزت في الموقع الأثري من المدينة في الرابع من فبراير 2012 ولغاية 20 مايو 2015، وهو تاريخ انسحابها أمام مسلحي تنظيم "داعش".

وبين التقرير يومها أن قوات النظام شقت طرقاً ترابية بين الآثار، وأقامت سواتر عسكرية، وأنشأت مرابض مدفعية في منطقة المدافن البرجية، وهو ما ألحق أضراراً بالغة في هذه الأبنية وصلت إلى أساساتها. ورصد التقرير أن قذائف من مدفعية النظام سقطت على قاعة متحف تدمر الرئيسية ما أدى إلى تحطيم بعض المعروضات الأثرية.

وفي تلك المرحلة منح "ديوان الركاز" في تنظيم داعش امتياز التنقيب لبعض تجار الآثار مقابل نسبة من المستخرجات، ويومها أعدم التنظيم الإرهابي الآثاري السوري الشهير خالد الأسعد بقطع رأسه، وعرض جثته المشوهة في الساحة العامة، بسبب عدم إرشاده لهم إلى بعض المواقع غير المنقبة، كما صرح بذلك نشطاء في المدينة، أو بسبب اعتراض اتصالات بين الأسعد ومديرية آثار النظام، بحسب ناشطين آخرين.

 

تعتيم وغموض رسمي

 

منذ ذلك التاريخ لم يصدر أي تقرير، لا من جهة رسمية، ولا من المعارضة حول الحال الذي أصبحت عليه آثار تدمر بعد لعبة الكر والفر بين قوات النظام ومن معه من ميليشيات إيرانية وقوات روسية، وبين مسلحي تنظيم "داعش" الإرهابي. ومعظم المعلومات المتداولة حالياً حول آثار المدينة مستقاة من التقرير السابق لجمعية حماية الآثار السورية، ومن تصريحات مأمون عبد الكريم، وهي جميعها تسبق الخراب العميم الذي حل بالمدينة خلال عامي 2016 و2017.

وتبين فيما بعد أن الأضرار التي لحقت بالمدينة الأثرية بعد الانسحاب الأول لمسلحي تنظيم "داعش" يوم 27 مارس 2016، أكبر بكثير من تقديرات المسؤولين السوريين، ومنها صور أظهرت أن آثار المتحف لم تنقل بل كانت هناك، ودمرت بفعل قذائف النظام ومعاول مسلحي التنظيم الإرهابي، على عكس ما قال مدير الآثار والمتاحف يومها إن معظم الآثار ما زالت سليمة، وأن إمكانية إعادة تأهيليها واردة، في حال قام المجتمع الدولي بالتمويل والاشراف على عمليات الترميم التي ستستغرق خمس سنوات على أبعد تقدير. وبعد أقل من شهرين؛ أقامت القوات الروسية الحفلة السمفونية الشهيرة لها على مدرج المدينة، ولم يتطرق أحد من المسؤولين السوريين لواقع حال المتحف، على اعتبار أن موجوداته نقلت إلى دمشق في موجة الانسحاب الأولى لقوات النظام عام 2015، كما سبق أن صرح عبد الكريم.

كر وفر وكارثة

لكن سرعان ما استعاد التنظيم الإرهابي السيطرة على تدمر من جديد في الحادي عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2016، وليبقى في المدينة الأثرية حتى الشهر الثاني من آذار/ مارس 2017 قبل انسحابه النهائي، ولكن الكارثة التي حلت بآثار المدينة خلال الشهور الثلاثة الأخيرة كانت أكبر بكثير مما يمكن أن يتخيله المرء، حيث نسف مسلحوه بالمتفجرات جميع معابد المدينة وعلى رأسها معبد بل الشهير، ومعبد بعل شامين ومعبد اللات، وما تبقى من المقابر البرجية.

وفي هذه المرة، لم يدل المسؤولون السوريون بأي تصريحات حول حجم الكارثة التي كان يمكن تداركها لو أن قوات النظام لم تنسحب أواخر العام 2016 أمام عشرات المسلحين من التنظيم الإرهابي، حيث حلت الكارثة العظمى بعد هذا الانسحاب، ليتبن بعد فترة أن بعض التماثيل الشهيرة التي كانت تزين حديقة متحف تدمر محطمة كلياً أو جزئياً، وتجري عليها عمليات ترميم في مشاغل مديرية الآثار والمتاحف في دمشق، وليس صحيحاً أنها نقلت في العام 2015. وبينت صور الأقمار الصناعية أن معبدي بل وبعل شامين أصبحا أثراً بعد عين، وبات من المتعذر ترميمهما، أما الشارع المعمد فقد نسفت غالبية أعمدته، ومحور المصلبة "التترابل" لم يعد له أي وجود، وكذلك قوس النصر.

 ورغم مضي ست سنوات على اندحار تنظيم "داعش" عن تدمر، لم تسمح قوات النظام، ولا القوات الإيرانية المسيطرة على المدينة بعودة سكانها المدنيين الذين أقامت لهم قوات التحالف الدولي مخيم الركبان في عمق البادية السورية، ولم يعد بالإمكان تصوير آثار المدينة أو التحدث في الإعلام الرسمي عن حجم الخسائر، اللهم إلا أخبار نادرة حول مشاريع غامضة عن رغبة الحكومة الروسية بإعادة ترميم المدينة بناء على مذكرة تفاهم مع الحكومة السورية، وفق معايير "اليونسكو" بحسب تصريحات رسمية سورية.

 

ترميم روسي!

 

في هذا السياق، ذكرت وكالة سانا الحكومية أن المرحلة الأولى من ترميم قوس النصر الأثري الشهير بدأت في المدينة الأثرية، بالتعاون بين "المديرية العامة للآثار والمتاحف" و"الأمانة السورية للتنمية" مع "مركز إنقاذ الآثار وترميمها" التابع لـ"معهد تاريخ الثقافة المادية" في أكاديمية العلوم الروسية، وأن هذه المرحلة تتمثل في "توثيق ركام الأحجار الأساسية الموجودة بموقع القوس المدمّر، ثم نقلها إلى موقع قريب وإجراء عملية توزيعها ضمن مجموعات وتوثيقها رقمياً".

ولم تتجاوز علمية الترميم حتى الآن هذه المرحلة. في حين نشرت السفارة الروسية في الثاني والعشرين من آب/ أغسطس 2020 خبراً على صفحتها في "تويتر" يتحدث عن استكمال العلماء الروس مشروع إنشاء النموذج الرقمي "3D" الأكثر دقة وتفصيلاً في العالم لمدينة تدمر الأثرية وذلك للحفاظ على الموقع التاريخي وتسهيل إعادة إعماره. وقالت إنه تم نقل النموذج إلى دائرة الآثار والمتاحف السورية.

 

مواضيع ذات صلة:

وضع أبو جعفر المنصور الحجر الأساس لبناء مدينة بغداد عام 762 ميلادي.
وضع أبو جعفر المنصور الحجر الأساس لبناء مدينة بغداد عام 762 ميلادي.

في العام 762 ميلادي، أي قبل ما يقارب 1262 عاماً، أمر الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور ببناء عاصمة جديدة لدولته، تكون بعيدة عن المدن التي كثر فيها الخروج على الخلافة، كالكوفة والبصرة. وأرادها مدينة تتمتع بمناخ معتدل وموقع حسن، على ما تتفق المصادر التاريخية، وقام بوضع الحجر الأساس لهذه المدينة بيده.

هذه حكاية ولادة مدينة بغداد، التي يحفظ التاريخ لأبي جعفر المنصور فضل بنائها.

"دار السلام" و"مدينة المنصور".. ما قصة بناء بغداد؟
"بسم الله والحمد لله! وإن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده، والعاقبة للمتقين، ابنوا على بركة الله!".. هذا ما قاله الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور عام 762م/ 150هـ عندما وضع الحجر الأساس لبناء عاصمته الجديدة "بغداد" أو "دار السلام"؛ بحضور جمع غفير من الأمراء والوزراء والعلماء الأعيان.

في العام 1977 وفي عهد الرئيس أحمد حسن البكر، أنجز النحات العراقي الشهير خالد الرحال تمثالا برونزيا يمثّل رأس أبي جعفر المنصور، تكريماً لدوره في بناء بغداد، ووُضع الرأس على قاعدة مرتفعة في أحد شوارع ناحية الكرخ في العاصمة العراقية، وسميت المنطقة على اسمه.

في السيرة التي كتبها الأديب العراقي نجم والي لمدينة بغداد ("بغداد سيرة مدينة"، دار الساقي)، يشير، نقلاً عن مصادر تاريخية، إلى أن المنصور جلب عدداً من كبار المهندسين للإشراف على بنائها، بمساعدة أعداد كبيرة من أكثر البنائين والصنّاع المهرة.

انتهى بناء بغداد في زمن قياسي، بالنسبة إلى تقنيات البناء في تلك المرحلة الزمنية. "فبعد أربع سنوات فقط من وضع أبي جعفر المنصور حجر الأساس لها، انتهى البناء منها لتصبح مدينة جاهزة لانتقال الخليفة وحاشيته ومعه دواوين الدولة إليها، ولتصبح منذ ذلك الحين عاصمة للدولة العباسية"، يقول نجم والي.

وبحسب إسماعيل مرسي في كتابه "ملوك الدولة العباسية"، فإن العباسيين "ظلّوا قبل ذلك ثلاثة عشر عاماً منذ وصولهم إلى الحكم دون عاصمة لملكهم حتى بنوا بغداد".

وقد نزل المنصور بغداد قبل إتمام بنائها، وكان لا يدخلها أحد أبداً راكباً، "حتى إن عمه عيسى بن علي شكا إليه المشي فلم يأذن له".

سكن المنصور بغداد حين تم البناء، وكان سورها دائرياً، عرضه خمسون ذراعاً في أسفله، وعشرون في أعلاه، وله ثمانية أبواب، وكذا السور الداخلي، إلا أن الأبواب الداخلية والخارجية غير متقابلة، يضيف مرسي.

كان موقع بغداد الذي اختاره المنصور يمتاز بحصانته من الناحية العسكرية، إذ "لا يمكن الوصول إليه إلا على قنطرة أو جسر، فإذا قطعت الجسور وخربت القناطر، لا يصل إليها العدو"، بحسب مرسي. كما شكّل نهرا دجلة والفرات سوراً وخندقاً طبيعيين، وتميز الموقع ببعده عن مناطق الحدود البيزنطية مما جعله آمناً وبعيداً عن غاراتهم.

وللدلالة إلى علو شأن شخصية المنصور في التاريخ، ينقل مرسي عن الشيخ الخضري قوله: "كان المنصور أعظم رجل قام من آل العباس شدة وبأساً ويقظة وثباتاً".

كغيره من المعالم والرموز العراقية، تعرض تمثال أبو جعفر المنصور بعد 2003 للتخريب والسرقة، وتم تفجير قاعدته كليا في العام 2005، قبل أن تقوم السلطات العراقية بترميمه وتعيد نصبه مرة أخرى عام 2008 في المنطقة الغربية من المدينة التي سميت على اسمه. 

لكن، على الرغم من مرور مئات السنين على وفاة الخليفة العباسي، إلا إن مجموعات عراقية أطلقت بشكل متكرر عبر السنين، دعوات لإزالة تمثاله الذي شيد خلال سبعينات القرن العشرين، على يد النحات العراقي خالد الرحال.

وتطالب هذه المجموعات بإزالة تمثال المنصور، لأسباب طائفية تعود الى اعتبار الشيعة أن المنصور هو الذي أعطى الأمر بقتل سادس أئمة الشيعة الاثني عشرية جعفر  الصادق.